يشكل قطاع الزراعة ركيزة أساسية في اقتصاد دولة الإمارات، ومساهما رئيسا في تحقيق التنمية المستدامة، وتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل.
وتولي الإمارات عملية الاستثمار في هذا القطاع، أهمية كبيرة، عبر العمل على تطوير بنيته التحتية، وتشجيع البحث والتطوير فيه، وخلق أسواق جديدة ومستدامة للمنتجات الزراعية المحلية، وتعزيز التعاون الدولي، من أجل تطويره وتحويله إلى قوة دافعة للاقتصاد الوطني.
وطرحت دولة الإمارات عددا من المبادرات والبرامج، التي تستهدف بشكل رئيس تمكين المواطنين في قطاع الزراعة الوطني، عبر تقديم الدعم لأصحاب المزارع للتوسع في نشاطاتهم ورفع إنتاج مزارعهم، وبالتالي زيادة إسهام القطاع في الناتج المحلي، وتحقيق تنمية زراعية مستدامة، خصوصا وأن القطاع الزراعي يعتبر رافدا مهما في تعزيز منظومة الأمن الغذائي للدولة.
ورغم التحديات التي يواجهها قطاع الزراعة في دولة الإمارات، نتيجة وقوعها في حزام المناطق الجافة، واستحواذ البيئة الصحراوية على أكثر من ثلاثة أرباع المساحة الكلية للدولة، واتسام بيئتها بقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وفقر التربة، إلا أن الدولة بذلت جهدا واضحا طوال العقود الماضية، لبناء قطاع زراعي يكون أكثر قدرة على الإسهام في التنوع الغذائي، والاقتصاد الوطني، من خلال تمكين التكنولوجيا والابتكار.
وتبنت دولة الإمارات سياسات تخفف من أثر التحديات التي تقف أمام ازدهار قطاع الزراعة، عبر الاعتماد على أنماط زراعية مستدامة وذكية مناخيا، تُركّز على الاستثمار الأمثل لوحدة الأراضي الزراعية وجودة المنتج المحلي وتعزيز قدرته على المنافسة، وتستند في مجملها إلى التقنيات والحلول المبتكرة مثل الزراعة الدقيقة والزراعة المغلقة والعمودية والزراعة بدون تربة (الزراعة المائية) والزراعة العضوية والبيوت الشبكية، إضافة إلى تعزيز برامج مكافحة الآفات الزراعية، والحد من الفقد والهدر، على طول السلسلة الغذائية، وتوسيع قاعدة الاهتمام بالدراسات والبحوث العلمية في المجال الزراعي.
وتنسجم استثمارات دولة الإمارات في القطاع الزراعي، مع مستهدفات البرنامج الوطني “ازرع الإمارات”، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث يضم البرنامج مبادرات عدة، تدعم توجهات دولة الإمارات للتنمية الزراعية، وتعزيز معدلات الأمن الغذائي الوطني المستدام.
ويستهدف البرنامج الوطني “ازرع الإمارات”، تشجيع المجتمع المحلي على الإنتاج الذاتي المنزلي، لأهم المنتجات الزراعية، وتوسيع الرقعة الخضراء في الدولة، ودعم جهود الحفاظ على البيئة، وترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن المنتج المحلّي ذي القيمة الغذائية العالية.
كما يدعم البرنامج “عام الاستدامة 2024″، ويُعزز منظومة الاستدامة البيئية، عبر الإسهام الفعال للمنتجات المحلية في خفض البصمة الكربونية كمنتجات طازجة.
وبلغ إسهام الزراعة والحراجة وصيد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي 13.24 مليار درهم في عام 2023، حيث يشهد القطاع الزراعي إقبالا متزايدا من المستثمرين والشركات في ظل الدعم الحكومي المستمر.
وتبدو الآفاق المُستقبلية للقطاع الزراعي واعدة، في ظل تنامي فرص النمو، واستمرار المبادرات الداعمة لتطوير إمكانات الزراعة الوطنية في إطار إستراتيجية تعزيز تنوع الاقتصاد الوطني.
وعززت دولة الإمارات الاستثمار في القطاع الزراعي، بإطلاق النظام الوطني للزراعة المستدامة، الذي يستهدف إحـداث تغييرات استباقية في النظم الغذائية والزراعية، عبر مجموعة من المحاور التي تشمل التسويق لمنتجات مستدامة، وتحقيق ميزة تنافسية للمنتج، وجذب المستهلك المحلي لاقتناء منتجات مستدامة، والإسهام في دفع عجلة التحسين والتطوير في سلسلة التوريد.
وتم إعداد النظام ضمن المبادرات، التي عملت عليها الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في الدولة، بهدف إيجاد حلول فاعلة لرفع كفاءة وتنافسية الإنتاج الوطني من الأغذية، وتوفير قنوات الدعم للمعنيين في هذا القطاع، واستقطاب الاستثمارات اللازمة لإنشاء مشاريع زراعية مستدامة، تحقق الأمن الغذائي لدولة الإمارات، وتدعم النمو الاقتصادي بفاعلية.
ويهدف النظام إلى تحقيق باقة من الأهداف، في مقدمتها تفعيل أنظمة مستدامة لإنتاج الغذاء، وتوظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة في هذا المجال، وتعزيز الإنتاج الزراعي المحلي، بما يضمن التعامل الأمثل مع التحديات التي يواجهها قطاع الأمن الغذائي في الدولة، بما يشمل شح المياه، وتغير المناخ، والازدياد السكاني، وما يستتبعه ذلك من ارتفاع الطلب على الغذاء.
كما يستهدف النظام تحقيق مجموعة من المحاور على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
فعلى الصعيد الاقتصادي، يعمل النظام على زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة للمحاصيل الزراعية المستهدفة بمعدل سنوي يبلغ 5%، وتحسين المردود الاقتصادي للمزرعة بواقع 10% سنويا.
ويرمي النظام على الصعيد الاجتماعي، إلى زيادة القوى العاملة في المجال بمعدل 5% سنويا، أما على الصعيد البيئي، فيهدف إلى ترشيد كمية المياه المستخدمة في وحدة الإنتاج بواقع 15% سنويا.
ويلعب القطاع الزراعي دورا كبيرا في دعم قطاع السياحة في دولة الإمارات؛ إذ تولي الدولة، السياحة الزراعية أهمية كبيرة، لأن هذا النوع من السياحة يعمل على إبراز كنوز المزارع المحلية، وما تتمتع به دولة الإمارات من مساحة زراعية مزدهرة ومتطورة، ومزارع خاصة تضم أشكالا مختلفة ومتنوعة من النباتات والأنواع الحيوانية، التي تعمل على تعزيز الاستدامة وحماية الحياة الفطرية.
وضمن دورها في إبراز المواقع السياحية والترويج للسياحة، ضمن القطاعات البيئية في الإمارات، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة محور السياحة الزراعية، ضمن المشروع الوطني للسياحة البيئية الذي دشنته الوزارة في عام 2019، تحت شعار “كنوز الطبيعة في الإمارات”، حيث عملت على تطوير برنامج الإمارات للسياحة الزراعية، وتم فتح أبواب المزارع المحلية للمقيمين والسياح من أجل عرض ممارساتهم النموذجية.
ويتيح البرنامج لهواة الطبيعة ومحبيها الفرصة للاطلاع على الأنماط والممارسات الزراعية التقليدية والحديثة، والتعرف على التقنيات المستخدمة فيها، إضافة إلى الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية المتوفرة في العديد من المزارع النباتية والحيوانية في الدولة، فضلا عن أنها تتيح الفرصة للزائر لشراء ما يحتاجه من منتجات نباتية وحيوانية من المصدر مباشرة بتكلفة معقولة وجودة عالية.
وتسعى وزارة التغير المناخي والبيئة من خلال هذا المشروع، إلى إعادة زراعة بعض النباتات وإحياء الممارسات المستدامة، التي كانت تستخدم في الماضي.
كما تستهدف الوزارة تعزيز أنواع هذا المفهوم السياحي البيئي ومنها السياحة الزراعية المباشرة للتسوق، والسياحة الزراعية للخبرة والتعليم، والسياحة الزراعية للأنشطة والترفيه.
واعتمد سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، إطلاق “مجمع تنمية الغذاء ووفرة المياه (AGWA)”، الذي يُعدُّ مجمعا اقتصاديا متكاملا في أبوظبي، تعزيزا للجهود العالمية الهادفة إلى ضمان الأمن الغذائي والمائي، وإيجاد الحلول المبتكرة لمواجهة تحديات نقص الغذاء وشح المياه على المستوى العالمي.
ويشكل المجمع، الذي تقود جهود إنشائه كل من دائرة التنمية الاقتصادية –أبوظبي، ومكتب أبوظبي للاستثمار، مركزا عالميا لتطوير المنتجات الغذائية المستحدثة ومكوناتها، والتقنيات الحديثة التي تضمن توفير المياه الصالحة للشرب وتُحسِّن من طرق استخدامها.
وتم تصميم المجمع لدعم المورِّدين والمصدرين المحليين، وتعزيز الاستفادة من الفرص التجارية على المستوى العالمي.
وتسعى وزارة التغير المناخي والبيئة إلى تنمية القطاع الزراعي، من خلال الشراكة مع القطاع الخاص والخبراء لضمان تمكين رواد الأعمال في القطاع الزراعي، إضافة إلى تشجيع ودعم المجتمع لتنمية المشاريع الزراعية الناجحة، حيث تم إطلاق برنامج تمويلي بالتعاون مع مصرف الإمارات للتنمية لتمويل التكنولوجيا الزراعية في المزارع التقليدية بمحفظة تمويلية تبلغ 100 مليون درهم.
ولم تتوقف الإسهامات الإماراتية عند الاستثمار داخل الدولة، بل سارعت شركات استثمارية إماراتية كبرى، بقوة نحو مضاعفة استثماراتها الزراعية في دول تتوزع على قارات العالم، حيث استحوذت شركات إماراتية على مساحات شاسعة من الأراضي في أوروبا وإفريقيا لزراعتها، كما أنشأت شركات أخرى مصانع عملاقة لتصنيع المواد الغذائية خارج الإمارات، وتعاقدت شركات على استيراد آلاف الأطنان من الحبوب والأعلاف وتخزينها في صوامع عملاقة في الإمارات ودول أخرى، تمهيدا لإعادة تصديرها.
وتستثمر شركات إماراتية في مزارع ضخمة لتسمين الثروة الحيوانية، وتتميز العديد من الشركات في تسويق وتوزيع المنتجات الزراعية في عدة قارات عبر شبكات نقل عالية الكفاءة.
وتسعى الاستثمارات الإماراتية الزراعية في الخارج، إلى تحقيق قوة دافعة تعزز من الأمن الغذائي في دولة الإمارات، حيث حققت شركات إماراتية نجاحا كبيرا في تأمين مخزون من السلع الإستراتيجية للدولة، كما توسعت الاستثمارات الإماراتية في عمليات إعادة التصدير وفتح أسواق عديدة لمنتجاتها في قارات العالم، خصوصاً بعد أن تملكت مساحات شاسعة من المزارع في العديد من دول العالم.
وتنتشر الاستثمارات الزراعية الإماراتية في الخارج، عبر تأسيس شركات أو الاستحواذ على حصص من كيانات قائمة أو تملك وتأجير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، تتخصص في زراعة الحبوب والدقيق والأعلاف والفواكه والخضراوات وتربية المواشي والأسماك.