تعتبر الميداليات قطعا فنية وتراثية يمتد تاريخها إلى العصور القديمة ، وهي مرتبطة بشكل وثيق بتاريخ العملات. ومن البداية كانت الميداليات الشخصية تتبع قواعد صارمة؛ فغالباً ما كانت تمثل صورة لشخصية بارزة من جهة، وتشتمل من الجهة الأخرى على رموز تعبر عن شخصيتها أو إنجازاتها.
وبدأت فكرة الميداليات في الظهور خلال العصر الروماني القديم ، حيث كانت تُصنع لتخليد أحداث مهمة باستخدام تقنيات الصب والقولبة.. وكانت هذه الميداليات أكبر حجماً من العملات، وغالباً ما كانت مُزينة بالأحجار الكريمة ويتم ارتداؤها كحُلي، وتُقدم كهدية للإمبراطور، وقد استمر هذا النمط حتى نهاية العصور الوسطى.
وبلغ فن الميدالية ذروته في عصر النهضة مع فنانين مثل أنطونيو دي بوتشو بيزانو، المعروف باسم بيزانيلو، الذي صمم ميدالية في عام 1439 تكريماً للإمبراطور البيزنطي يوحنا الثامن باليولوج ، وشهدت هذه الفترة انتشار الميداليات في أنحاء أوروبا مع فنانين مثل جيرمان بيلون في فرنسا، الذي اشتهر برسم صور كاترين دي ميديتشي على الميداليات البرونزية ، فيما حلت تقنية ضرب الميداليات محل تقنية الصب.
ومنذ القرن التاسع عشر، ارتبطت الميداليات بالمؤسسات وأصبحت تُمنح كمكافآت للأعمال الاستثنائية في مجالات متعددة ، منها عسكرية، ودبلوماسية، ودينية، وإدارية، وفكرية، وعائلية ورياضية ، وفي القرن العشرين، بدأت الميداليات تُمنح أيضًا عند الولادات والمعموديات، للاحتفاء بأفراح الحياة.
وبالتوازي مع انطلاق منافسات دورة الألعاب الأولمبية” باريس 2024″ في نسختها الـ”33″ حاليا بالعاصمة الفرنسية، ستلعب الميداليات دورًا مركزيًا، حيث سيتم تقديم ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية للفائزين الثلاثة الأوائل، وستكون مشبعة برموز فنية وقيم قوية.
وجرى تصميم الميداليات من قبل صائغ المجوهرات “شوميه”، حيث سيتم تقديم 5084 ميدالية للرياضيين في الألعاب الأولمبية والبارالمبية في باريس هذا الصيف.
ومنذ عام 1896 في أول نسخة من الدورات الأولمبية في العصر الحديث، عندما كان الفائزون يتلقون ميدالية فضية وإكليل زيتون، تطور تصميم الميداليات بشكل كبير، وشهدت تصميماتها تغييرات عديدة.
وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتحديد التصاميم بدءًا من ألعاب أمستردام 1928، باختيار تصميم الإيطالي جوزيبي كاسيولي “تريونفو”، الذي أصبح معيارًا لتصميم الميداليات حتى عام 1968.
وتم تصميم ميداليات كل دورة أولمبية حديثة من قبل فنانين ومصممين محددين تختارهم اللجنة المحلية المنظمة من قبل البلد المضيف. وعلى سبيل المثال، كانت ميداليات ألعاب طوكيو 2020، التي صممها جونيتشي كاوانيشي، مصنوعة من معادن أعيد تدويرها من أجهزة إلكترونية قديمة.
وكانت الميداليات الذهبية في السابق مصنوعة من الذهب الخالص حتى عام 1912.. فمنذ ذلك الحين، أصبحت تصنع من الفضة المطلية بالذهب، بسبب نقص الذهب خلال الحرب العالمية الأولى، وكانت ميداليات ألعاب ري دي جانيرو 2016 مصنوعة بنسبة حوالي 30 في المائة من مواد معاد تدويرها.
وتأثر تصميم الميداليات أيضًا بالعناصر الثقافية والتاريخية للبلد المضيف.. وعلى سبيل المثال، كانت ميداليات ألعاب بكين 2008 تحتوي على “اليشم”، الذي يرمز إلى النبل والفضيلة في الثقافة الصينية، أما بالنسبة لألعاب باريس 2024، تم صنع جزء من الميداليات من شظايا “برج إيفل”، مما يضفي لمسة فريدة ورمزية.
ومع توالي الدورات الأولمبية كل أربع سنوات، تجلب كل دورة أولمبية رؤية جديدة وتكريمًا خاصًا من خلال تصميم ميدالياتها، معبرة عن قيم وتقاليد البلد المضيف، بينما تكرم تاريخ وروح الألعاب الأولمبية.