شكلت الزراعة محوراً أساسياً من محاور التنمية في دولة الإمارات وأحد أهم أركان الاستراتيجيات المستدامة التي حرصت القيادة الرشيدة على ترسيخها على مدى أكثر من خمسة عقود منذ تأسيس الدولة، والزراعة نشاط قديم في دولة الإمارات حيث مارسه أبناؤها بكثرة في بعض مناطق الدولة، مثل: رأس الخيمة، والفجيرة، والعين وفي بعض الواحات، مثل واحة ليوا.
وقد تطورت الزراعة بشكل نوعي منذ قيام الاتحاد رغم التحديات البيئية والطبيعية التي تغلب على مناخ المنطقة وتفرض تعاملاً خاصاً معها مثل ندرة موارد المياه والأراضي الصالحة للزراعة، وملوحة التربة، والظروف البيئية الصعبة، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وقد حظي القطاع الزراعي باهتمام خاص من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، الذي أسهمت مبادراته وجهوده في مواجهة تحديات الطبيعة الصحراوية وبادر إلى زراعة ملايين من أشجار النخيل، والعمل على ترسيخ نهضة زراعية كبيرة، تولت القيادة تشجيعها وتذليل العقبات في طريقها حتى أصبحت الزراعة اليوم مساهماً أساسياً في الجانب الاقتصادي معتمدة على أحدث التقنيات الزراعية، عبر تبني أنماط زراعية مستدامة وذكية مناخياً تُركّز على الاستثمار الأمثل لوحدة الأراضي الزراعية وجودة المنتج المحلي وتعزيز قدرته على المنافسة.
ويعد الإنتاج الزراعي المحلي اليوم من أهم مستهدفات الأمن الغذائي في الدولة، ومصدر دخل أساسياً لكثير من المزارعين، وقد تجلى هذا الاهتمام بإطلاق مجلس الوزراء النظام الوطني للزراعة المستدامة الهادف إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة من المحاصيل الزراعية، وتحسين المردود الاقتصادي للقطاع، وزيادة الاستثمارات فيه.
وتتماشى المبادرات الرامية إلى ترسيخ ثقافة الاهتمام بالقطاع الزراعي مع مستهدفات البرنامج الوطني “ازرع الإمارات”، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” حيث يضم البرنامج مبادرات عدة تدعم توجهات دولة الإمارات للتنمية الزراعية وتعزيز معدلات الأمن الغذائي الوطني المستدام.
ويستهدف البرنامج الوطني “ازرع الإمارات” تشجيع المجتمع المحلي على الإنتاج الذاتي المنزلي لأهم المنتجات الزراعية، وتوسيع الرقعة الخضراء في الدولة ودعم جهود الحفاظ على البيئة، وترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن المنتج المحلّي ذي القيمة الغذائية العالية، كما يدعم البرنامج “عام الاستدامة 2024″، ويُعزز منظومة الاستدامة البيئية عبر المساهمة الفعالة للمنتجات المحلية في خفض البصمة الكربونية كمنتجات طازجة.
– 33 ألف مزرعة..
وحظيت المنتجات المحلية الزراعية بميزات تفضيلية واسعة، حتى بلغ عدد المزارع في الدولة، وفقاً لأحدث إحصائيات وزارة التغير المناخي والبيئة، 33 ألف مزرعة تتبع أساليب زراعة متنوعة وعدة نظم إنتاج زراعية، منها مزارع تتبع أساليب الزراعة العضوية، وأخرى تتبع أساليب الزراعة المائية. ويقدر إنتاج مزارع الدولة من الخضراوات بنحو 328,209.9 ألف طن سنوياً، و435,097 ألف طن من المحاصيل الحقلية والأعلاف، و368,960.9 ألف طن من الفاكهة وذلك وفقاً للمركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء.
كما يغطي إجمالي الإنتاج الزراعي المحلي من الخضراوات حالياً نسبة تتجاوز 20% من إجمالي احتياجات السوق، وتصل النسبة في بعض المحاصيل مثل الخيار إلى 80%، مدعومة بخطط ومبادرات وزارة التغير المناخي والبيئة لتعزيز عمل المزارعين المحليين وآليات الزراعة الحديثة، كما يتم زراعة وإنتاج الخضراوات مثل الطماطم، الخيار، الفلفل، الباذنجان والكوسا وغيرها من الخضراوات إضافة إلى زراعة النخيل وإنتاج التمور والفواكه مثل الحمضيات، المانغو، الجوافة، الموز، التين، اللوز والسدر وغيرها.
إلى ذلك، أسهمت البيوت المحمية في تقديم منتجات زراعية متميزة كماً ونوعاً، فقد بلغ إنتاج البيوت المحمية من الخضراوات في إمارة أبوظبي ما يزيد على 99 ألف طن خلال عام 2022، ليمثل نحو 73 % من إجمالي إنتاج الخضراوات في الإمارة في الفترة ذاتها، وذلك وفقاً لبيانات مركز الإحصاء في أبوظبي.
وأشارت البيانات إلى أن إجمالي البيوت المحمية في إمارة أبوظبي بلغ 19303 بيوت في نهاية عام 2022 منها 12667 في منطقة العين و3939 في منطقة الظفرة، و2697 في منطقة أبوظبي، كما وصلت مساحة الخضراوات المزروعة في البيوت المحمية خلال عام 2022 إلى 6259 دونماً، فيما بلغت قيمة المحاصيل 254 مليون درهم تقريباً.
– تقنيات زراعية حديثة..
وتتنوع المشاريع الزراعية الرائدة في دولة الإمارات المعتمدة على التكنولوجيا الحديثة، وتعتبر الزراعة المائية “بدون تربة” أحد أبرز هذه المشاريع، حيث تصل إنتاجية الزراعة من دون تربة إلى ما يقارب أربعة أضعاف نظيرتها بالزراعة المحمية العادية، بالنظر لاستخدام مساحة أقل وعدد نباتات أكثر، كما تعتبر محاصيل الخيار والطماطم والطماطم الكرزية والفلفل والخس والفراولة من أهم المحاصيل التي يتم زراعتها في الدولة باستخدام نظام الزراعة المائية.
وتعتبر الزراعة المائية إحدى طرق الزراعة بدون تربة حيث يتم استخدام الماء كوسط زراعي لنمو النباتات، وتمثل مشاريع الزراعة بدون تربة طريقة مجدية اقتصادياً على المدى المتوسط والبعيد من حيث قدرتها على استعادة تكاليف المشروع وفقاً لجدول زمني يتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات.
إلى ذلك تستخدم المزارع العمودية تقنيات متطورة تمكنها من توفير منتجات زراعية طازجة على مدار العام، وقد تم تدشين أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية في أبوظبي في فبراير 2023، وتستهدف المزرعة إجراء الأبحاث العلمية والتطوير في قطاع الزراعة وتطوير الجيل التالي من تقنيات وحلول الزراعة المستدامة في البيئات القاحلة والصحراوية.
كما تعد مزرعة “بستانك” في دبي، التي أنشأتها “الإمارات لتموين الطائرات” التابعة لمجموعة الإمارات، أكبر مزرعة رأسية تعتمد على الزراعة المائية في العالم، وتستخدم المزرعة تقنيات متطورة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المتقدمة، وتعتمد على دورة إنتاج مستمرة تضمن إنتاجاً فائق النضارة والنظافة، ومن دون استخدام أي مبيدات أو مواد كيماوية.
ودعماً للمزارعين على مستوى الدولة وتثقيفهم وتسهيل الخدمات المقدمة لهم؛ أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مشروع تطبيق “مزارعنا” الذكي، الذي يوفر حزمة متكاملة من المعلومات الإرشادية للمزارعين بهدف تحقيق الاستدامة في القطاع الزراعي في الدولة، ويتيح للمتعامل التواصل المباشر مع أصحاب الاختصاص في المجال الزراعي من خلال خاصية “تواصل مع المختص”، والتقديم على خدمات الوزارة ذات العلاقة بالمزارعين.
كما يوفر التطبيق قنوات مختلفة لتقديم الإرشاد الذكي من خلال أدلة إرشادية زراعية وفيديوهات وبيانات توعية، في حين تتيح أداة الخطة الزراعية الموجودة به التعرف على التواريخ ومواسم الزراعة الموصى بها للمحاصيل المختلفة، وتوفر خاصية ” الخطة الزراعية” في التطبيق للمتعامل إمكانية إدخال خطته الزراعية لتصله تنبيهات و إرشادات متعلقة بنوع المحصول الذي يخطط لزراعته.
– القمح محصول استراتيجي
وشكّلت زراعة القمح في الإمارات أحد الروافد الاستراتيجية في منظومة تعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه الحبوب، وتعد “قمح الإمارات” إحدى المبادرات الرائدة في مجال الزراعة، وقد بدأت في عام 2017، بمجهود فردي تطوعي لمزارعين إماراتيين، لا يزيد عددهم على 16 مزارعاً، ثم انتشرت خلال الأعوام الماضية حتى أصبحت تضم الآن نحو 200 مزرعة، تنتج أكثر من 80 طناً من القمح سنوياً على مستوى الدولة خلال موسم الحصاد.
وفي مارس 2022 أطلقت إمارة الشارقة مشروع مزرعة القمح بمنطقة مليحة؛ حيث تنتج الشارقة واحداً من أجود أنواع القمح في العالم؛ لاحتوائه على أعلى نسبة من البروتين، وخلوه من أي مواد كيميائية أو أسمدة وغيرها من المواد الضارة بصحة الإنسان.