حل فصل الصيف مجددا لتستيقظ في الذاكرة خيراته المتنوعة وروائحه الزكية ووجوهه الغائبة ورياحه البعيدة القادمة من وراء سديم الأزمنة.
ولموسم الصيف في الماضي الذي يعرف محليا بـ “القيظ” مذاقه الخاص حيث سخاء الطبيعة التي تبعث البهجة في نفوس أهل الإمارات وقلوبهم مع ظهور تباشير أنواع مختلفة من الرطب أبرزها “النغال” إضافة إلى أنواع من الفواكه الأخرى.
وبنظرة إلى الماضي وقبل قيام اتحاد دولة الإمارات كان فصل الصيف يحفل بالعديد من السلوكيات والقيم المتوارثة التي تجعل منه نمط حياة متكاملا فبداية دخوله في مثل هذا الوقت تلزم الأهالي بممارسة سلوك اجتماعي وفطري ينقسم على إثره سكان الساحل إلى قسمين الأول هم العارفون بالبحر ويتوجهون إلى رحلة الغوص الكبير والقسم الآخر يتوجه في رحلة للداخل تحكمها البساطة والصعوبة وصولا إلى الواحات والمناطق الزراعية والحيور ورؤوس الجبال.
وحول السبب وراء الاكتفاء الذاتي من الفواكه والخضروات في الماضي واستيرادها الآن بكميات كبيرة عزا المواطن حمدان بن محمد المزروعي السبب إلى قلة الأمطار في بعض السنوات ما أدى إلى هجرة الأهالي لمهنة الزراعة.. مشيرا إلى أن الحال تغير منذ منتصف القرن الماضي عندما أصبحت دولة الإمارات مركزا عالميا للاقتصاد والأعمال فتضاعف عدد السكان عدة مرات فأصبح الإنتاج المحلي لا يسد الطلب واعتمدت الدولة على الاستيراد من الخارج فتصاءل حجم الفواكه المحلية أمام تلك المستوردة .
وأكد أن موسم “القيظ” في الإمارات قديما يعتبر أحد المواسم الاقتصادية النشطة التي ينتظرها المزارعون سنويا بعد عناء واهتمام بالنخلة خلال عام زراعي كامل ينتهي مع بداية شهور القيظ عندما يبدأ موسم جني أو خرف الرطب حاملا معه الخير للجميع.
وقال المزروعي: ” يبدأ موسم “القيظ” مع بداية منتصف شهر يونيو حيث تجود أشجار النخيل بثمارها اليانعة وبشكل متتابع حسب مكان ونوع النخلة ويعرف “القيظ” بأنه موسم حصاد وجني ثمار النخيل “الرطب” وبعض أنواع الحمضيات والفواكه.
واضاف : ” أول أنواع النخيل الذي يأتي بتباشير الرطب في موسم القيظ في الإمارات هو “النغال” وهي سيدة النخيل كونها تطرح الرطب أولا فتشد إليها نظر الشباب والأطفال عندما يصبح انتاجها بسرا فتراهم يتسابقون للوصول إليه وجني كل ما تصل إليه أيديهم فيحفرون له حفرة في الرمل ويردمون عليه حتى يستخرجونه بعد فترة وقد أصبح رطبا فيتناولونه بفرحة وسعادة وهذه العملية تسمى “خمال”.
وأشار إلى أن فرحة الإنسان الإماراتي تصل ذروتها عندما يجني لأول مرة من أشجار نخيله بعض حبات الرطب القليلة فيذهب بها مسرعا إلى أسرته ليبشرهم بها أو إذا كان والداه على قيد الحياة فيهديهم البشارة ويطلبان من الله له الصحة والعمر المديد.
ونوه إلى أن النخيل في الإمارات متعدد الأنواع والألوان .. فالخنيزي لونه الأحمر الفاقع والخلاص لونه الأصفر الفاتح والجبري و بومعان والخصاب واللولو والدباس والهلالي ونبتة سيف وغيرها من الأنواع المتعددة الأخرى تجود زراعتها في الدولة.
وذكر أن ليالي القيظ رائعة جدا فترى الناس يتسامرون و يتنادمون تحت ضوء القمر الساطع والقيظ ملئ بالخيرات كالرطب متعدد الأنواع إلى جانب الهمبا والزيتون والتين والعنب والليمون.
وقال المزروعي: ” ارتبط الإماراتيون بنخيلهم منذ القدم فاعتنوا بها وتعلموا منها شيم العطاء والكرم إذ جادت عليهم بثمرها وسعفها وخوصها وليفها ورطبها وحتى من لب ولحاء أشجار النخيل استخرجوا “الحيب” وهي فاكهة حلوة المذاق وتمر رحلة جني ثمار النخيل بمراحل متعددة أخرها مرحلة “اليداد”.
وأضاف: “يبقى فصل الصيف قديما موسما غنيا بالفواكه الطازجة والخضار لكن الآن مع كثرة عدد السكان والوفرة المادية /ولله الحمد/ واستيراد جميع أنواع الفواكه من مختلف الدول وتوفرها الدائم في الأسواق والمحال التجارية الكبرى وزيادة الإقبال على استهلاك الفاكهة والخضروات جعلنا نتناسى منتجاتنا المحلية من الفواكه والخضار الطازجة التي كان ينتظرها جيل الآباء والأجداد في مواسمها المختلفة بشوق وحنين خاصة موسم الصيف الغني بها”.
ومن جانبه عدد المواطن محمد بن سعيد القايدي ما يزيد على 20 نوعا من فواكه الإمارات أولاها الرطب وهو فاكهة الصيف الأولى وذكر أن لها أجناسا وسلالات وألوانا مختلفة.
وقال: “الرطب هو آخر مراحل النضج التي تصل إليها ثمار شجرة النخيل المباركة التي لا تماثلها شجرة أخرى ومن أول الصيف حتى مطلع الشتاء تكون حاضرة سلالات الرطب بأشكال وألوان وأحجام مختلفة وإذا تم تجفيف الرطب يصبح تمرا ويسمى محليا “السح” ويكون قابلا للتخزين ويقدم مع القهوة العربية ليكون عنوانا للكرم والضيافة”.
وأشار إلى أن الفيفاي “فاكهة الباباي المشهورة” والموز الفريضي وهو “موز صغير الحجم له مذاق حلو” والموز البرحي “موز ممتلئ وقصير ومذاقه قليل الحلاوة” كلها تكثر في المنطقة الشرقية ومسافي ومناطق رأس الخيمة الجبلية..ونوه إلى أن النخيل والبطيخ “الشمام الأصفر” واليح “البطيخ” تكثر في مناطق رأس الخيمة والمنطقة الشرقية والوسطى.
وقال القايدي: “يكثر في الأراضي الطينية والجبلية ”اللوز” ويسمى “بيذام” واللومي الحلو وهو فاكهة صيفية شبيهة بالبرتقال من حيث الحجم لكنها أكثر حلاوة من البرتقال ولون قشرتها أخضر.
وأضاف أن من فواكه الإمارات الصيفية الفرصاد “التوت” والجيكو أو الشيكو وهي فاكهة حلوة المذاق يقبل عليها الجميع ولونها بني تشبه ثمرة الكيوي والتين والرمان والزيتون وهي فاكهة الجوافة المعروفة.
وأشار إلى أن الهمبا وهي فاكهة المانجو من الفواكه المرغوبة صيفا وتجود في الإمارات أنواع صغيرة الثمار والهمبو “بوالروان” والهمبو هي فاكهة صيفية دائرية بحجم ثمار العنب الكبيرة لونها أصفر وفيها نواة كبيرة وسائل لزج حلو المذاق استخدم هذا السائل في الماضي كصمغ عند أهل الإمارات.
ونوه القايدي إلى أن فاكهة الترنج وهي نوع من الحمضيات تجود زراعتها في المنطقة الشرقية إضافة إلى الصبار وله أشكال متعددة ولونه عادة أحمر أو أصفر يكسو لبه المائي الهش قشرة سمكية لا تؤكل.
وقال :” عندما ينتقل الأهالي من المنازل السكنية في الفرجان إلى الحيور والمزارع يكون هدفهم القرب من النخيل وجني الرطب والإقامة تحت ظلاله الوارفة التي تقيهم من حرارة الصيف في أوقات النهار والاستمتاع بمذاق الفواكه الأخرى”.
وأكد أن تلك العادات والتقاليد وهي إرث ثقافي نابع من روح الإنسان وقلب المكان شهدت في السنوات الأخيرة تغيرا عما كانت عليه في الماضي نظرا لتوفر الإمكانيات المادية والكماليات ووسائل الراحة الحديثة التي تحد من شدة الحر إلا أن الكثير من أهل الإمارات لا يزالون متمسكين بتلك العادات يقضون فترات متفاوتة من عطلهم وعطل مدارس أولادهم خاصة خلال فترة القيظ واشتداد حرارة الجو في مزارعهم و بساتينهم.